فصل: 136 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ شَيْءٌ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ

مساءً 7 :55
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


136 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَكُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَرَقٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ‏,‏ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ شَيْءٌ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ أَوْ مَيْتَةٌ ‏,‏ فَإِنْ غَيَّرَ ذَلِكَ لَوْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَقَدْ فَسَدَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ أَكْلُهُ ‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ، وَلاَ بَيْعُهُ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ ، وَلاَ مِنْ طَعْمِهِ ، وَلاَ مِنْ رِيحِهِ ‏,‏ فَذَلِكَ الْمَائِعُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَالْوُضُوءُ حَلاَلٌ بِذَلِكَ الْمَاءِ ‏,‏ وَالتَّطَهُّرُ بِهِ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا كَذَلِكَ ‏,‏ وَبَيْعُ مَا كَانَ جَائِزًا بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَلاَلٌ ‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لِتَبَيُّنِ أَمْرِهِ ‏,‏ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ مُخَاطٌ أَوْ بُصَاقٌ إلاَّ أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لاَ يَجْرِي حَرَامٌ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَالاِغْتِسَالُ بِهِ لِفَرْضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ ‏,‏ وَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ‏.‏ وَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ شُرْبُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ‏,‏ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْبَوْلُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ‏.‏ وَحَلاَلٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ بِهِ لِغَيْرِهِ‏.‏ فَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ جَرَى الْبَوْلُ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ ‏,‏ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالْغُسْلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ الْبَوْلُ أَوْ الْحَدَثُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ الْمَاءِ ‏,‏ فَلاَ يُجْزِئُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلاً لَهُ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ‏.‏ وَحَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ يُهْرَقُ ، وَلاَ بُدَّ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِهِ ‏,‏ وَحَاشَا السَّمْنَ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَيِّتًا أَوْ يَمُوتُ فِيهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْهُ حَيًّا ذَكَرًا كَانَ الْفَأْرُ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَائِبًا حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ ‏,‏ أَوْ حِينَ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا أَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَيًّا أُهْرِقَ كُلُّهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفِ قِنْطَارٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَمْ يَحِلَّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجْمُدْ وَإِنْ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا جَامِدًا وَاتَّصَلَ جُمُودُهُ ‏,‏ فَإِنَّ الْفَأْرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَمَا حَوْلَهُ وَيُرْمَى ‏,‏ وَالْبَاقِي حَلاَلٌ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَالاِدِّهَانُ بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ‏,‏ وَحَاشَا الْمَاءَ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ‏.‏ وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَجَّسَهُ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِبَاحَتِهِ أَوْ تَطْهِيرِهِ ‏,‏ وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏ وَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا أَنَّ الطَّاهِرَ لاَ يَنْجَسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجِسِ ‏,‏ وَأَنَّ النَّجِسَ لاَ يَطْهُرُ بِمُلاَقَاةِ الطَّاهِرِ‏.‏ وَأَنَّ الْحَلاَلَ لاَ يُحَرَّمُ بِمُلاَقَاةِ الْحَرَامِ وَالْحَرَامَ لاَ يَحِلُّ بِمُلاَقَاةِ الْحَلاَلِ بَلْ الْحَلاَلُ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ وَالْحَرَامُ حَرَامٌ كَمَا كَانَ ‏,‏ وَالطَّاهِرُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَالنَّجِسُ نَجِسٌ كَمَا كَانَ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ بِإِحَالَةِ حُكْمٍ مِنْ ذَلِكَ فَسَمْعًا وَطَاعَةً‏.‏ وَإِلاَّ فَلاَ‏.‏ وَلَوْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمَا يُلاَقِيهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ مَا طَهُرَ شَيْءٌ أَبَدًا ‏,‏ لاَِنَّهُ كَانَ إذَا صُبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ لِغَسْلِهَا يَنْجَسُ عَلَى قَوْلِهِمْ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَإِذَا تَنَجَّسَ وَجَبَ تَطْهِيرُهُ ‏,‏ وَهَكَذَا أَبَدًا ‏,‏ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَنَجَّسَ الْبَحْرُ وَالأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا ‏;‏ لاَِنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي يُمَاسُّهُ أَيْضًا ‏,‏ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مَا مَسَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ أَبَدًا ‏,‏ وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏ لاَ يَتَنَجَّسُ‏.‏ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ وَتَنَاقَضُوا ‏,‏ وَفِي إجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى بُطْلاَنِ ذَلِكَ وَعَلَى تَطْهِيرِ الْمَخْرَجِ وَالدَّمِ فِي الْفَمِ وَالثَّوْبِ وَالْجِسْمِ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لاَ نَجَاسَةَ إلاَّ مَا ظَهَرَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ ‏,‏ وَلاَ يُحَرَّمُ إلاَّ مَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَطْ ‏,‏ وَسَائِرُ قَوْلِهِمْ فَاسِدٌ‏.‏ فَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ وَبَيْنَ الَّذِي تَرِدُهُ النَّجَاسَةُ‏.‏ زَادُوا فِي التَّخْلِيطِ بِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ بِمَا مَازَجَهُ مِنْ نَجِسٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِذَلِكَ ‏,‏ أَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ بِذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّنَا حِينَئِذٍ لاَ نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَلاَلِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ ‏,‏ وَاسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي الصَّلاَةِ حَرَامٌ كَمَا

قلنا ‏,‏ وَلِذَلِكَ وَجَبَ الاِمْتِنَاعُ مِنْهُ ‏,‏ لاَ لاَِنَّ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ حُرِّمَ ، وَلاَ تَنَجَّسَتْ عَيْنُهُ ‏,‏ وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَخْلِيصِ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ مِنْ الْحَرَامِ وَالنَّجَسِ ‏,‏ لَكَانَ حَلاَلاً بِحَسَبِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ عَلَى جِرْمٍ طَاهِرٍ فَأَزَلْنَاهَا ‏,‏ فَإِنَّ النَّجِسَ لَمْ يَطْهُرْ وَالْحَرَامُ لَمْ يَحِلَّ ‏,‏ لَكِنَّهُ زَايَلَ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ ‏,‏ فَقَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَسْتَعْمِلَهُ حِينَئِذٍ حَلاَلاً طَاهِرًا كَمَا كَانَ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ ‏,‏ فَبَطَلَ عَنْهُ الاِسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ ‏,‏ وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَلاَلٍ طَاهِرٍ ‏,‏ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجِسَ ، وَلاَ الْحَرَامَ ‏,‏ بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ ‏,‏ فَبَطَلَ عَنْهُ الاِسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ ‏,‏ وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ ‏,‏ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ ‏,‏ بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ كَالْعَصِيرِ يَصِيرُ خَمْرًا ‏,‏ أَوْ الْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا ‏,‏ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَأْكُلُهُ دَجَاجَةٌ يَسْتَحِيلُ فِيهَا لَحْمَ دَجَاجٍ حَلاَلاً وَكَالْمَاءِ يَصِيرُ بَوْلاً ‏,‏ وَالطَّعَامِ يَصِيرُ عَذِرَةً ‏,‏ وَالْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ تُدْهَنُ بِهِمَا الأَرْضُ فَيَعُودَانِ ثَمَرَةً حَلاَلاً ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ ‏,‏ وَكَنُقْطَةِ مَاءٍ تَقَعُ فِي خَمْرٍ أَوْ نُقْطَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي مَاءٍ ‏,‏ فَلاَ يَظْهَرُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَثَرٌ ‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ ‏,‏ وَالأَحْكَامُ لِلأَسْمَاءِ وَالأَسْمَاءُ تَابِعَةٌ لِلصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ حَدُّ مَا هِيَ فِيهِ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ‏.‏

وَأَمَّا إبَاحَةُ بَيْعِهِ وَالاِسْتِصْبَاحِ بِهِ ‏,‏ فَإِنَّمَا بَيْعُ الْجِرْمِ الْحَلاَلِ لاَ مَا مَازَجَهُ مِنْ الْحَرَامِ ‏,‏ وَبَيْعُ الْحَلاَلِ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ قَبْلُ‏.‏

وَمَنْ ادَّعَى خِلاَفَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ‏.‏ وَمِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمَائِعَاتِ تَقَعُ فِيهَا النَّجَاسَةُ وَالاِنْتِفَاعَ بِهَا ‏:‏ عَلِيٌّ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ ، وَلاَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلاَ ثَمَنٍ ‏,‏ فَكِتْمَانُهُ ذَلِكَ غِشٌّ ‏,‏ وَالْغِشُّ حَرَامٌ ‏,‏ وَالدِّينُ النَّصِيحَةُ‏.‏

قلنا نَعَمْ ‏,‏ كَمَا أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَسْتَسْهِلُ أَنْ يَأْخُذَ مَائِعًا وَقَعَتْ فِيهِ مَخْطَةُ مَجْذُومٍ ‏,‏ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ ‏,‏ وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلاَ ثَمَنٍ ‏,‏ وَهَذَا عِنْدَ الْجَامِدِينَ مِنْ خُصُومِنَا لاَ مَعْنَى لَهُ ‏,‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا غِشًّا ‏,‏ إنَّمَا الْغِشُّ مَا كَانَ فِي الدِّينِ ‏,‏ وَالنَّصِيحَةُ كَذَلِكَ ‏,‏ لاَ فِي الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُخَالِفَةِ لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ عَلَى أَنَّ فِي الْقَائِلِينَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبُصَاقَ نَجِسٌ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الأَرْضِ مَمْلُوءَةً مِنْ مِثْلِ مَنْ قَلَّدَهُ هَؤُلاَءِ الْمُتَأَخِّرُونَ ‏,‏ كَمَا

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ سَلْمَانَ هُوَ الْفَارِسِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏"‏ إذَا بَصَقْتَ عَلَى جِلْدِك وَأَنْتَ مُتَوَضِّئٌ فَإِنَّ الْبُصَاقَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَلاَ تُصَلِّ حَتَّى تَغْسِلَهُ ‏"‏‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ‏:‏ وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ الْبُصَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ ‏,‏ وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

فأما حُكْمُ الْبَائِلِ فَلِمَا حَدَّثَنَا أحمد بن القاسم حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حدثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ‏.‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ‏.‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ‏.‏ فَلَوْ أَرَادَ عليه السلام أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ الْبَائِلِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا ، وَلاَ نِسْيَانًا ، وَلاَ تَعْنِيتًا لَنَا بِأَنْ يُكَلِّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُبْدِهِ لَنَا مِنْ الْغَيْبِ ‏,‏

فأما أَمْرُ الْكَلْبِ فَقَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ ‏:‏ حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ قَالَ ‏:‏ إذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ وَقَدْ كَانَ مَعْمَرٌ يَذْكُرُهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ ‏:‏

وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ الْفَأْرَةُ وَالْحَيَّةُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْحَمَامَةُ وَالْعِرْسُ أَسْمَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وُقُوعَهُ عَلَى الآُنْثَى ‏,‏ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا‏.‏ بُرْهَانٌ بِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلاَّ مَيِّتَةً ‏,‏ إذْ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَّةِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَإِنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ ‏:‏ وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا أَوْ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أَوْ قَالَ ‏:‏ انْتَفِعُوا بِهِ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ عَبْدُ الْوَاحِدِ قَدْ شَكَّ فِي لَفْظَةِ الْحَدِيثِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْهُ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ مَعْمَرٍ‏.‏

وَأَيْضًا فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ‏.‏ وَمَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِالضَّبْطِ مِمَّنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا فَهُوَ أَنَّ كِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ ‏,‏

فأما رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَمُوَافِقَةٌ لِمَا كُنَّا نَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ‏;‏ لاَِنَّ الأَصْلَ إبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِالسَّمْنِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏‏.‏

وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَشَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَعَادَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَأَبْطَلَ حُكْمَ النَّاسِخِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ بَيَانًا يَرْفَعُ بِهِ الإِشْكَالَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ‏}‏ فَبَطَلَ حُكْمُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ فِيهِ قَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحْهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلْ بَقِيَّتَهُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَهْرِقْهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَالْمَأْخُوذُ مِمَّا حَوْلَهَا هُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ وَأَرَقُّهُ غِلَظًا ‏,‏ لاَِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا حَوْلَهَا ‏,‏

وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْ تَضْيِيعِهِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ ‏:‏ خُذُوا مِمَّا حَوْلَهَا قَدْرَ الْكَفِّ‏.‏ قِيلَ ‏:‏ هَذَا إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلاً مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ وَهُوَ كَذَّابٌ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَطْ ‏,‏ وَمِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ‏,‏ وَشَرِيكٌ ضَعِيفٌ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَلَوْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ ‏,‏ فَكَيْفَ مِنْ رِوَايَةِ الضُّعَفَاءِ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ‏,‏ وَلاَ لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ، وَلاَ لِغَيْرِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ بِحُكْمِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ ‏,‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ثُمَّ يَسْكُتَ عَنْهُ ، وَلاَ يُخْبِرَنَا بِهِ ‏,‏ وَيَكِلَنَا إلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْقَوْلِ بِمَا لاَ نَعْلَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَمَا يَعْجَزُ عليه السلام قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَوْ أَرَادَ ‏:‏ إذَا وَقَعَ النَّجِسُ أَوْ الْحَرَامُ فِي الْمَائِعِ فَافْعَلُوا كَذَا ‏,‏ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَ عليه السلام بَيَانَ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِهِ‏.‏ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الْمَقْطُوعُ عَلَى بُطْلاَنِهِ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي وَدَكٍ فَقَالَ عليه السلام ‏:‏ اطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا إنْ كَانَ جَامِدًا ‏,‏ قِيلَ ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا قَالَ ‏:‏ فَانْتَفِعُوا بِهِ ، وَلاَ تَأْكُلُوهُ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلاَّ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَهُوَ لاَ شَيْءَ ‏,‏ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ ‏,‏

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ الْفَأْرُ فِي الْوَدَكِ فَقَطْ ‏,‏ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ إنَّ الْوَدَكَ فِي اللُّغَةِ لِلسَّمْنِ وَالْمَرَقِ خَاصَّةً وَالدَّسَمَ لِلشَّحْمِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ إنْ وَقَعَتْ خَمْرٌ أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ نُجِّسَ كُلُّهُ قَلَّتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ ‏,‏ وَوَجَبَ هَرْقُهُ كُلِّهِ وَلَمْ تَجُزْ صَلاَةُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ ‏,‏ وَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ كَثُرَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ قَلَّ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ إذَا حَرَّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الآخَرُ ‏,‏ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ حِينَئِذٍ ‏,‏ وَجَائِزٌ التَّطَهُّرُ بِهِ وَشُرْبُهُ ‏,‏ فَإِنْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ حُرِّمَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَجَازَ الاِسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ وَبَيْعُهُ ‏,‏ فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ فِي بِئْرٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُصْفُورًا فَمَاتَ ‏,‏ أَوْ فَأْرَةً فَمَاتَتْ ‏,‏ فَأُخْرِجَا ‏,‏ فَإِنَّ الْبِئْرَ قَدْ تَنَجَّسَتْ ‏,‏ وَطَهُورُهَا أَنْ يُسْتَقَى مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً أَوْ سِنَّوْرًا فَأُخْرِجَا حِينَ مَاتَا فَطَهُورُهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ شَاةً فَأُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ أَوْ بَعْدَمَا انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ ‏,‏ أَوْ لَمْ تُخْرَجْ الْفَأْرَةُ ، وَلاَ الْعُصْفُورُ ، وَلاَ الدَّجَاجَةُ أَوْ السِّنَّوْرُ إلاَّ بَعْدَ الاِنْتِفَاخِ أَوْ الاِنْفِسَاخِ ‏,‏ فَطَهُورُ الْبِئْرِ أَنْ تُنْزَحَ ‏,‏ وَحَدُّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَغْلِبَهُ الْمَاءُ ‏,‏ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِائَتَا دَلْوٍ ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ سِنَّوْرٌ أَوْ فَأْرٌ أَوْ حَنَشٌ فَأُخْرِجَ ذَلِكَ وَهِيَ أَحْيَاءٌ ‏,‏ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ ‏,‏ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ فَأُخْرِجَا حَيَّيْنِ فَلاَ بُدَّ مِنْ نَزْحِ الْبِئْرِ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ ‏,‏ فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي الْبِئْرِ وَجَبَ نَزْحُهَا حَتَّى يَغْلِبَهُمْ ‏,‏ قَلَّ الْبَوْلُ أَوْ كَثُرَ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهَا بَعِيرٌ عِنْدَهُمْ ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الإِبِلِ أَوْ بَعْرِ الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ خُرْءُ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهَا مَيْتَةً ‏:‏ فَأْرَةً أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادَ صَلاَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْفَسَخَتْ أَعَادَ صَلاَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ طَائِرًا رَأَوْهُ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ‏,‏ فَإِنْ أُخْرِجَ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ لَمْ يُعِيدُوا شَيْئًا وَإِنْ أُخْرِجَ مُتَفَسِّخًا أَعَادُوا صَلاَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا‏.‏ فَإِنْ رُمِيَ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ فِي بِئْرٍ نُزِحَتْ كُلُّهَا ‏,‏ فَلَوْ رُمِيَ فِي بِئْرٍ عَظْمُ مَيْتَةٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَحْمٌ أَوْ دَمٌ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا وَوَجَبَ نَزْحُهَا ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَحْمٌ لَمْ تَتَنَجَّسْ الْبِئْرُ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَظْمُ خِنْزِيرٍ أَوْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِنْزِيرٍ ‏,‏ فَإِنَّ الْبِئْرَ كُلَّهَا تَتَنَجَّسُ وَيَجِبُ نَزْحُهَا ‏,‏ كَانَ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ أَوْ دَسَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ‏:‏ لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي مَاءٍ فِي طَسْتٍ وَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ ‏,‏ فَلَوْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ فِي طَسْتٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَصَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ ‏,‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ قَدْ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا ‏,‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا كَمَا يُنْزَحُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةِ مَاءٍ فَمَاتَتْ ‏,‏ فَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ ‏,‏ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ‏:‏ يُنْزَحُ مِنْهَا مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا فَقَطْ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ يُنْزَحُ الأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ مِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا ‏,‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فَرُمِيَتْ الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ وَرُمِيَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ أُخْرَى ‏,‏ فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تُخْرَجُ وَيُخْرَجُ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ وَيُخْرَجُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ الآُخْرَى مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا وَعِشْرُونَ دَلْوًا زِيَادَةً فَقَطْ ‏,‏ فَلَوْ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَتْ وَأُخْرِجَ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا ‏,‏ ثُمَّ رُمِيَتْ الْفَأْرَةُ وَتِلْكَ الْعِشْرُونَ دَلْوًا مَعَهَا فِي بِئْرٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُخْرَجُ الْفَأْرَةُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ‏.‏

قَالُوا ‏:‏ فَلَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ ضُفْدَعٌ أَوْ ذُبَابٌ أَوْ زُنْبُورٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ جَرَادٌ أَوْ نَمْلٌ أَوْ صَرَّارٌ أَوْ سَمَكٌ فَطَفَا أَوْ كُلُّ مَا لاَ دَمَ لَهُ ‏,‏ فَإِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ جَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ ‏,‏ وَالسَّمَكُ الطَّافِي عِنْدَهُمْ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ فَهُوَ طَاهِرٌ حَلاَلٌ أَكْلُهُ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَائِعٍ غَيْرِهِ حَيَّةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْمَاءُ وَذَلِكَ الْمَائِعُ ‏,‏ لاَِنَّ لَهَا دَمًا ‏,‏ فَإِنْ ذُبِحَ كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ أَوْ سَبُعٌ ثُمَّ رُمِيَ كُلُّ ذَلِكَ فِي رَاكِدٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ ذَلِكَ الْمَاءُ ‏,‏ وَإِنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ ‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْخِنْزِيرَ وَابْنَ آدَمَ ‏,‏ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ ذُبِحَا يُنَجِّسَانِ الْمَاءَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَمَنْ يَقُولُ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِي كَثِيرٌ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْمُبَرْسَمُ أَشْبَهُ مِنْهَا أَلاَ يَسْتَحِي مِنْ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فِي فَهْمِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَكِنْ مَا رَأَيْنَا سُنَّةً مُضَاعَةً ‏,‏ إلاَّ وَمَعَهَا بِدْعَةٌ مُذَاعَةٌ‏.‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَوْ تُتُبِّعَ مَا فِيهَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَقَامَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ سِفْرٌ ضَخْمٌ ‏,‏ إذْ كُلُّ فَصْلٍ مِنْهَا مُصِيبَةٌ فِي التَّحَكُّمِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ ‏,‏ وَإِنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ يَقُلْهَا قَطُّ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ ‏,‏ وَلاَ لَهَا حَظٌّ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ يُعْقَلُ ‏,‏ وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ بَاطِلٍ مُطَّرِدٍ ‏,‏ وَلَكِنْ مِنْ بَاطِلٍ مُتَخَاذِلٍ فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا بِرِوَايَةٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏:‏ أَنَّهُمَا نَزَحَا زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا ‏,‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ‏.‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ ‏:‏ وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ وَهَؤُلاَءِ التَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، فَمُخَالِفٌ لاَِقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏ أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّنَا

رُوِّينَا عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ ‏:‏ إنَّهُ يُنْزَحُ مَاؤُهَا ، أَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَقُطِّعَتْ ‏:‏ يُخْرَجُ مِنْهَا سَبْعُ دِلاَءٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ كَهَيْئَتِهَا لَمْ تَتَقَطَّعْ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ أَوْ دَلْوَانِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ مُنْتِنَةً يُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ مَا يُذْهِبُ الرِّيحَ ‏,‏ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما‏,‏ فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَرْضُ نَزْحِ الْبِئْرِ مِمَّا يَقَعُ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ‏,‏ فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ عليه السلام ‏,‏ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمَا أَوْجَبَا نَزْحَهَا ، وَلاَ أَمَرَا بِهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُمَا قَدْ يَفْعَلاَنِهِ عَنْ طِيبِ النَّفْسِ ‏,‏ لاَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ قَدْ غَلَبَتْنَا عَيْنٌ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ ‏,‏ فَأَعْطَاهُمْ كِسَاءَ خَزٍّ فَحَشَوْهُ فِيهَا حَتَّى نَزَحُوهَا ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ‏,‏ لاَِنَّ حَدَّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ فَقَطْ ‏,‏ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِائَتَا دَلْوٍ فَقَطْ ‏,‏ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ يَقْضِي بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً ثُمَّ يَكُونُ الْمُحْتَجُّ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا رضي الله عنهما أَمَرَا بِنَزْحِهَا لَمَا كَانَ لِلْحَنَفِيِّينَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ ‏,‏ إلاَّ أَنَّ زَمْزَمَ تَغَيَّرَتْ بِمَوْتِ الزِّنْجِيِّ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُنَا ‏,‏ وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ الْخَبَرِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ أَرْبَعٌ لاَ تُنَجَّسُ ‏,‏ الْمَاءُ وَالثَّوْبُ وَالإِنْسَانُ وَالأَرْضُ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا‏.‏

وَأَمَّا التَّابِعُونَ الْمَذْكُورُونَ ‏,‏ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ ‏:‏ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَفِي السِّنَّوْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الدَّجَاجَةِ سَبْعُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي السِّنَّوْرِ ثَلاَثُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلاَثُونَ دَلْوًا‏.‏ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَقَالَ عَطَاءٌ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا ‏,‏ وَفِي الشَّاةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا ‏,‏ فَإِنْ تَفَسَّخَتْ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ ‏,‏ وَفِي الْكَلْبِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ ‏,‏ إنْ أُخْرِجَ مِنْهَا حَيًّا عِشْرُونَ دَلْوًا ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ فَأُخْرِجَ حِينَ مَوْتِهِ فَسِتُّونَ دَلْوًا ‏,‏ فَإِنْ تَفَسَّخَ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ ‏,‏ فَهَلْ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ قَوْلٌ يُوَافِقُ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلاَّ قَوْلَ عَطَاءٍ فِي الْفَأْرَةِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ فِي السِّنَّوْرِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ أَيْضًا تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ فَلَمْ يَحْصُلُوا إلاَّ عَلَى خِلاَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَلاَ تَعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ أَوْ الْمَقَايِيسِ‏.‏ وَمِنْ عَجِيبِ مَا أَوْرَدْنَا عَنْهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ ‏:‏ إنَّ مَاءَ وُضُوءِ الْمُسْلِمِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ أَنْجَسُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ وَلَوْ أَوْرَدْنَا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ لاََلْزَمْنَاهُمْ ذَلِكَ فِي وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فأما أَنْ يَتْرُكُوا قَوْلَهُمْ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ الإِسْلاَمِ أَوْ فِي وُضُوءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، رضي الله عنهم‏.‏ وَقَوْلُهُمْ ‏:‏ إنْ حُرِّكَ طَرَفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الآخَرُ ‏,‏ فَلَيْتَ شِعْرِي هَذِهِ الْحَرَكَةُ بِمَاذَا تَكُونُ أَبِإِصْبَعِ طِفْلٍ ‏,‏ أَمْ بِتَبِنَةٍ ‏,‏ أَوْ بِعُودِ مِغْزَلٍ ‏,‏ أَوْ بِعَوْمِ عَائِمٍ ‏,‏ أَوْ بِوُقُوعِ فِيلٍ ‏,‏ أَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرِ مَنْجَنِيقٍ ‏,‏ أَوْ بِانْهِدَامِ جُرْفٍ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْ هَذِهِ التَّخَالِيطِ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا فَرْقُهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ ‏,‏ فَإِنْ ادَّعَوْا فِيهِ إجْمَاعًا ‏,‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ كَذَبْتُمْ ‏,‏ هَذَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ كُلَّ مَاءٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ غَدِيرًا إذَا حُرِّكَ وَسَطُهُ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَطْرَافُهُ‏.‏

وقال مالك فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الدَّجَاجَةُ فَتَمُوتُ فِيهَا ‏:‏ إنَّهُ يُنْزَفُ إلاَّ أَنْ تَغْلِبَهُمْ كَثْرَةُ الْمَاءِ ‏,‏ وَلاَ يُؤْكَلُ طَعَامٌ عُجِنَ بِهِ ‏,‏ وَيُغْسَلُ مِنْ الثِّيَابِ مَا غُسِلَ بِهِ ‏,‏ وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ صَلاَةً صَلاَّهَا مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ‏.‏ قَالَ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ الْوَزَغَةُ أَوْ الْفَأْرَةُ فَمَاتَتَا إنَّهُ يُسْتَقَى مِنْهَا حَتَّى تَطِيبَ ‏,‏ يَنْزِفُونَ مِنْهَا مَا اسْتَطَاعُوا ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ فَإِنَّ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ ‏,‏ تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ‏,‏ فَإِنْ بُلَّ فِي الْمَاءِ خُبْزٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ ‏,‏ وَأَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَبَدًا ‏,‏ فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ طَاهِرٍ ‏,‏ أَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَبَدًا ‏,‏ فَلَوْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ فِي مَاءٍ أَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ ‏,‏ وَيُؤْكَلُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُشْرَبُ ‏,‏ وَذَلِكَ نَحْوُ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَّارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالسَّرَطَانِ وَالضُّفْدَعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ ‏:‏ قَلِيلُ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ ‏,‏ وَيَتَيَمَّمُ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ ‏,‏ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ لَمْ يُعِدْ إلاَّ فِي الْوَقْتِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ إنْ كَانَ فَرَّقَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الْوَزَغَةُ وَالْفَأْرَةُ وَبَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الدَّجَاجَةُ فَهُوَ خَطَأٌ ‏,‏ لاَِنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ ‏,‏ إذْ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَعْمُولِ بِذَلِكَ الْمَاءِ ‏,‏ وَإِذْ أَمَرَ بِغَسْلِ مَا مَسَّهُ مِنْ الثِّيَابِ ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ إلاَّ فِي الْوَقْتِ ‏,‏ وَهَذَا عِنْدَهُ اخْتِيَارٌ لاَ إيجَابٌ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ ‏,‏ فَأَيُّ مَعْنًى لِلتَّطَوُّعِ فِي إصْلاَحِ مَا فَسَدَ مِنْ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ قَالَ إنَّ لِذَلِكَ مَعْنًى ‏,‏ قِيلَ لَهُ ‏:‏ فَمَا الَّذِي يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَمَا الْوَجْهُ الَّذِي رَغَّبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِهِ فِي أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي الْوَقْتِ ‏,‏ وَلَمْ تُرَغِّبُوهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ فَرْضًا ‏,‏ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا الَّذِي أَسْقَطَهَا عَنْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلاَةَ الْفَرْضَ يُؤَدِّيهَا التَّارِكُ لَهَا فَرْضًا ، وَلاَ بُدَّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ‏.‏ ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ تَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بَيْنَ مَا لاَ دَمَ لَهُ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ وَفِي‏.‏ الْمَائِعَاتِ وَبَيْنَ مَا لَهُ دَمٌ يَمُوتُ فِيهَا وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ مَعْقُولٌ ‏,‏ وَالْعَجَبُ مِنْ تَحْدِيدِهِمْ ذَلِكَ بِمَا لَهُ دَمٌ وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْبُرْغُوثَ لَهُ دَمٌ وَالذُّبَابَ لَهُ دَمٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ أَرَدْنَا مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ‏,‏ قِيلَ ‏:‏ وَهَذَا زَائِدٌ فِي الْعَجَبِ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا التَّقْسِيمُ بَيْنَ الدِّمَاءِ فِي الْمَيْتَاتِ وَأَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا وَمَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَيْتَةٍ فَهِيَ حَرَامٌ ‏,‏ وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَالْبُرْغُوثُ الْمَيِّتُ وَالذُّبَابُ الْمَيِّتُ وَالْعَقْرَبُ الْمَيِّتُ وَالْخُنْفُسَاءُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ هَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَصْنَافِ الْمَيْتَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَكْلِ الْبَاقِلاَءِ الْمَطْبُوخِ وَفِيهِ الدَّقْشُ الْمَيِّتُ ‏,‏ وَعَلَى أَكْلِ الْعَسَلِ وَفِيهِ النَّحْلُ الْمَيِّتُ وَعَلَى أَكْلِ الْخَلِّ وَفِيهِ الدُّودُ الْمَيِّتُ ‏,‏ وَعَلَى أَكْلِ الْجُبْنِ وَالتِّينِ كَذَلِكَ ‏,‏ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقْلِ الذُّبَابِ فِي الطَّعَامِ‏.‏ قِيلَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنْ كَانَ الإِجْمَاعُ صَحَّ بِذَلِكَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ ‏,‏ وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ يَمُوتُ فِيهِ الذُّبَابُ كَمَا زَعَمْتُمْ ‏,‏ فَإِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَى مَا صَحَّ بِهِ الإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَ بِهِ الْخَبَرُ خَاصَّةً‏.‏ وَيَكُونُ مَا عَدَا ذَلِكَ بِخِلاَفِهِ ‏,‏ إذْ أَصْلُكُمْ أَنَّ مَا لاَقَى الطَّاهِرَاتِ مِنْ الأَنْجَاسِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهَا ‏,‏ وَمَا خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ سَائِغًا أَوْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ طَائِرٍ ‏,‏ وَعَلَى الدَّقْشِ كُلَّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْجُلٍ ‏,‏ وَعَلَى الدُّودِ كُلَّ مُنْسَابٍ‏.‏ وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ مَا لاَ دَمَ لَهُ فَأَخْطَأْتُمْ مَرَّتَيْنِ ‏:‏ إحْدَاهُمَا أَنَّ الذُّبَابَ لَهُ دَمٌ ‏,‏ وَالثَّانِيَةُ اقْتِصَارُكُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لاَ دَمَ لَهُ ‏,‏ دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ ذِي جَنَاحَيْنِ أَوْ كُلَّ ذِي رُوحٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قِسْنَا مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ‏.‏ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عُمُومُ الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَى الْفَأْرِ كُلَّ ذِي ذَنَبٍ طَوِيلٍ ‏,‏ أَوْ كُلَّ حَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ السِّبَاعِ وَهَذَا مَا لاَ انْفِصَالَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ حُكْمِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَهُوَ النَّجَسُ ‏,‏ فَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَبَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّمَ فَمِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ النَّجَاسَةَ لِلدَّمِ دُونَ الْمَيْتَةِ وَأَغْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيْتَةَ لاَ دَمَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ ‏,‏ لاَِنَّهُ رَأَى التَّيَمُّمَ أَوْلَى مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ‏.‏ فَوَجَبَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَهُ لَيْسَ مُتَوَضِّئًا ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَرَ الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَهُ مُصَلٍّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ جَارٍ ‏,‏ فَسَوَاءٌ الْبِئْرُ وَالإِنَاءُ وَالْبُقْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ ‏,‏ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ‏,‏ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ كُلُّ نَجَسٍ وَقَعَ فِيهِ وَكُلُّ مَيْتَةٍ ‏,‏ سَوَاءٌ مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ نَجِسٌ يُفْسِدُ مَا وَقَعَ فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ إلاَّ مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ نُجِّسَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ ‏,‏ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلاً‏.‏ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ صَاحِبُهُ ‏:‏ جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ ‏,‏ إذَا كَانَ الْمَائِعُ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ يُنَجَّسُ‏.‏ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْوَاجِبُ ، وَلاَ بُدَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إنَاءً فِيهِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ فَوَقَعَ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّهُ نَجِسٌ حَرَامٌ ، وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ فِيهِ أَثَرٌ ‏,‏ فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ رَطْلُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ ‏,‏ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ وَيَجُوزُ شُرْبُهُ‏.‏

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِالْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَهَرْقِهِ ‏,‏ وَبِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ بِغَسْلِ يَدِهِ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ‏,‏ وَبِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ أَلاَّ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ ، وَلاَ يَغْتَسِلَ ‏,‏ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَدَلَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا مَا‏.‏ قَالُوا فَكَانَتْ الْقُلَّتَانِ حَدًّا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيمَا لاَ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مِنْهُ ‏,‏

وَاحْتَجَّ بِهَذَا أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمْ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ ‏,‏ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏:‏ الْقُلَّةُ أَعْلَى الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْقُلَّتَيْنِ هَهُنَا الْقَامَتَانِ ‏,‏

وقال الشافعي بِمَا رَوَى ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏:‏ إنَّ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ قِلاَلِ هَجَرَ ‏,‏ وَإِنَّ قِلاَلَ هَجَرَ الْقُلَّةُ الْوَاحِدَةُ قِرْبَتَانِ أَوْ قِرْبَتَانِ وَشَيْءٌ ‏,‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ الْقِرْبَةُ مِائَةُ رَطْلٍ ‏,‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ بِذَلِكَ ‏,‏ وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا أَكْثَرَ مِنْ ، أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً ‏:‏ الْقُلَّتَانِ أَرْبَعُ قِرَبٍ ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ خَمْسُ قِرَبٍ ‏,‏ وَلَمْ يَحُدَّهَا بِأَرْطَالٍ‏.‏ وَقَالَ إِسْحَاقُ ‏:‏ الْقُلَّتَانِ سِتُّ قِرَبٍ ‏,‏ وَقَالَ وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ ‏:‏ الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ فَهِيَ قُلَّةٌ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ ‏,‏ قَالَ مُجَاهِدٌ الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ ‏,‏ وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْقُلَّةِ حَدًّا‏.‏ وَأَظْرَفُ شَيْءٍ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مَضَى وَخَلْفَهُ طَاهِرٌ ‏:‏ فَقَدْ عَلِمُوا يَقِينًا أَنَّ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ إذَا انْحَدَرَ فَإِنَّمَا يَنْحَدِرُ كَمَا هُوَ ‏,‏ وَهُمْ يُبِيحُونَ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ فِي انْحِدَارِهِ فَتَطَهَّرَ بِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَيَشْرَبَ ‏,‏ وَالنَّجَاسَةُ قَدْ خَالَطَتْهُ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَوَقَعُوا فِي نَفْسِ مَا شَنَّعُوا وَأَنْكَرُوا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَمْ نَحْتَجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي إلاَّ بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ‏.‏

قلنا ‏:‏ صَدَقْتُمْ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَبِذَلِكَ الأَمْرِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَرَّقْنَا نَحْنُ بَيْنَ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْبَائِلُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ غَيْرُ الْبَائِلِ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ مَا تَرَكُوا مِنْهُ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ قَبُولِ مَا عَدَا الْمَاءَ لِلنَّجَاسَةِ

قال علي ‏:‏ هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ مَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَكُلُّ هَذِهِ الأَحَادِيثِ صِحَاحٌ ثَابِتَةُ لاَ مَغْمَزَ فِيهَا‏.‏ وَكُلُّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏ وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا ‏,‏ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ‏.‏ فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ ‏,‏ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا كُلِّهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ أَمَّا حَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الإِنَاءِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ خَالَفُوهُ جِهَارًا ‏,‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ‏,‏ فَقَالُوا هُمْ ‏:‏ لاَ بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ‏.‏ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلٍ هُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ فَتَرَكُوا مَا فِيهِ وَادَّعَوْا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْطَئُوا مَرَّتَيْنِ‏.‏ أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ ‏:‏ لاَ يُهْرَقُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَاءً فَخَالَفَ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَلاَنِيَةً وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لاَ يُتَعَدَّى بِهِ إلَى سِوَاهُ وَأَنَّهُ لاَ يُقَاسُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ ‏,‏ وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ إذْ مَنْ ادَّعَى خِلاَفَ هَذَا فَقَدْ زَادَ فِي كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام قَطُّ‏.‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ مَا فِي الإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ فَلاَ يُهْرَقُ ، وَلاَ يُغْسَلُ الإِنَاءُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ الْمَاءِ أُهْرِقَ بَالِغًا مَا بَلَغَ‏.‏ هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ ‏,‏ فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ وَزَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أُهْرِقَ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ‏,‏ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي كَلاَمِهِ عليه السلام أَصْلاً ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ إنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ خِنْزِيرٌ كَانَ فِي حُكْمِهِ حُكْمَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ ‏:‏ يُغْسَلُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ‏.‏ قَالَ فَإِنْ وَلَغَ فِيهِ سَبُعٌ لَمْ يُغْسَلْ أَصْلاً ، وَلاَ أُهْرِقَ‏.‏ فَقَاسَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ ‏,‏ وَلَمْ يَقِسْ السِّبَاعَ عَلَى الْكَلْبِ وَهُوَ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْكَلْبُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ‏.‏ فَقَدْ ظَهَرَ خِلاَفُ أَقْوَالِهِمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَمُوَافَقَتُنَا نَحْنُ لِمَا فِيهِ ‏,‏ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا ‏,‏ وَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبُطْلاَنُهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ دَعَاوَى لاَ دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏

وَأَمَّا الْخَبَرُ فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ ‏,‏ وَقَائِلُونَ إنَّ هَذَا لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ‏.‏ وَقُلْنَا نَحْنُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالُوا كُلُّهُمْ إنَّ النَّجَاسَاتِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فِي قَبُولِ الْمَاءِ لَهَا وَفَرَّقُوا بِهَا بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ وَبَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُزَالُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جِهَارًا ‏,‏ لاَِنَّ فِي أَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الإِنَاءِ بِسَبْعِ غَسَلاَتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي الآخَرِ تَطْهِيرَ الْيَدِ بِثَلاَثِ غَسَلاَتٍ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فِي النَّجَاسَاتِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ دَلِيلَيْنِ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُسْتَعْمَلاً فِي إزَالَةِ النَّجَاسَاتِ ‏,‏ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً ‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ مَا ظُنَّتْ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ لاَ يَطْهُرُ إلاَّ بِثَلاَثِ غَسَلاَتٍ ‏,‏ وَإِذَا تُيُقِّنَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا اُكْتُفِيَ فِي إزَالَتِهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ فَهَذَا قَوْلُهُمْ الَّذِي لاَ شُنْعَةَ أَشْنَعُ مِنْهُ ‏,‏ وَهُمْ يَدَّعُونَ إنْفَاذَ حُكْمِ الْعُقُولِ فِي قِيَاسَاتِهِمْ ‏,‏ وَلاَ حُكْمَ أَشَدُّ مُنَافَرَةً لِلْعَقْلِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ ‏,‏ وَلَوْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقُلْنَا ‏:‏ هُوَ الْحَقُّ ‏,‏ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ إطْرَاحُهُ وَالرَّغْبَةُ عَنْهُ ‏,‏ وَأَنْ نُوقِنَ بِأَنَّهُ الْبَاطِلُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لِلْمُتَنَبِّهِ بِغَسْلِ الْيَدِ ثَلاَثًا خَوْفَ أَنْ تَقَعَ عَلَى نَجَاسَةٍ ‏,‏ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ رِجْلُهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِهِ وَلَكَانَ بَاطِنُ فَخْذَيْهِ وَبَاطِنُ أَلْيَتَيْهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ يَدِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَالِكٌ فَمُوَافِقٌ لَنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ أَيْضًا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

فَصَحَّ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لاَ يُجْعَلاَنِ أَصْلاً لِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ ‏,‏ وَأَلاَّ يُقَاسَ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ عَلَى حُكْمِهِمَا ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلَ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا‏.‏ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَاءُ بِرْكَةً إذَا حُرِّكَ طَرَفُهَا الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ طَرَفُهَا الآخَرُ‏.‏ فَإِنَّهُ لَوْ بَالَ فِيهَا مَا شَاءَ أَنْ يَبُولَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَيَغْتَسِلَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا ، وَلاَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ ‏,‏ وَخَالَفَ الْحَدِيثَ فِيمَا فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ لِلْبَائِلِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ فَخَالَفَ الْحَدِيثَ كَمَا خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَزَادَ فِيهِ كَمَا زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏

وَأَمَّا مَالِكٌ فَخَالَفَهُ كُلَّهُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِبَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ ‏,‏ وَقَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا‏.‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لِمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَأَخَذْنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ ‏,‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ خَالَفُوهُ ‏;‏ لاَِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَبَاحُوا الاِسْتِصْبَاحَ بِهِ ‏,‏ وَفِي الْحَدِيثِ لاَ تَقْرَبُوهُ وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ وَصَحَّ خِلاَفُهُمْ لَهَا ‏,‏ وَأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الآثَارِ إنْ كَانَتْ لاَ تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ وَمَا فَائِدَتُهَا

قلنا ‏:‏ مَعْنَاهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهَا ‏,‏ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ كَلاَمُهُ ‏,‏ فَكَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ‏.‏

وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَهِيَ أَعْظَمُ فَائِدَةٍ ‏,‏ وَهِيَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ لَهَا ‏,‏ وَلِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً‏.‏ أُوِّلَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ ‏,‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا حَدًّا بَيْنَ مَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ وَبَيْنَ مَا لاَ يَقْبَلُهَا لَمَا أَهْمَلَ أَنْ يَحُدَّهَا لَنَا بِحَدٍّ ظَاهِرٍ لاَ يُحِيلُ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُوجَبُ عَلَى الْمَرْءِ وَيُوَكَّلُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ ‏,‏

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَتْ كُلُّ قُلَّتَيْنِ صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا حَدًّا فِي ذَلِكَ‏.‏

فأما أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا ‏:‏ الْقُلَّةُ الْقَامَةُ ‏,‏ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ تَأْوِيلَهُمْ الْفَاسِدَ لاَِنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَامَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ تُنَجَّسُ‏.‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ حَدُّهُ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ حَدِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ فَسَّرَ الْقُلَّتَيْنِ بِغَيْرِ تَفْسِيرِهِ وَكُلُّ قَوْلٍ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ حَقًّا وَنَقُولُ ‏:‏ إنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ وَالْقُلَّتَانِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ قُلَّتَيْنِ ‏,‏ صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا ‏,‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقُلَّةَ الَّتِي تَسَعُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ مَاءٍ تُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قُلَّةً‏.‏ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِقِلاَلِ هَجَرَ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ بِهَجَرَ قِلاَلاً صِغَارًا وَكِبَارًا‏.‏

فإن قيل إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَ قِلاَلَ هَجَرَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ‏.‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى مَا ذَكَرَ قُلَّةً فَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ قِلاَلِ هَجَرَ ‏,‏ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ابْنِ جُرَيْجٍ لِلْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ الَّذِي قَالَ ‏:‏ هُمَا جَرَّتَانِ ‏,‏ وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ ‏:‏ إنَّهَا أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ‏.‏ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُنَجَّسُ وَيَحْمِلُ الْخَبَثَ وَمَنْ زَادَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَقَدْ قَوَّلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ‏,‏

فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَا حمام قَالَ ‏:‏ حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ أَبُو تَمَّامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَفِيهَا مَا يُنْجِي النَّاسُ وَالْحَائِضُ وَالْجِيَفُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ مَاءٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ‏.‏ فَقَالُوا ‏:‏ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ الْمَاءَ إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَغَيَّرَتْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ ‏,‏ فَقَدْ خَالَفْتُمْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ‏.‏

قلنا ‏:‏ مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَهُ ‏,‏ بَلْ الْمَاءُ لاَ يُنَجَّسُ أَصْلاً ‏,‏ وَلَكِنَّهُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ ‏,‏ لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا لاَسْتَعْمَلْنَاهُ ‏,‏ وَلَكِنَّا لَمَّا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا أُمِرْنَا سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ ‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ كَثَوْبٍ طَاهِرٍ صُبَّ عَلَيْهِ خَمْرٌ أَوْ دَمٌ أَوْ بَوْلٌ ‏,‏ فَالثَّوْبُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ ‏,‏ إنْ أَمْكَنَنَا إزَالَةُ النَّجَسِ عَنْهُ صَلَّيْنَا فِيهِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنَّا الصَّلاَةُ فِيهِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَسِ الْمُحَرَّمِ سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ ‏,‏ وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلاَةُ لِلِبَاسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ ‏,‏ لَكِنْ لاِسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ خُبْزٌ دُهِنَ بِوَدَكِ خِنْزِيرٍ ‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ حَاشَا مَا جَاءَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ فَتَجِبُ الطَّاعَةُ لَهُ ‏,‏ كَالْمَائِعِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ ‏,‏ وَكَالْمَاءِ الرَّاكِدِ لِلْبَائِلِ ‏,‏ وَكَالسَّمْنِ الذَّائِبِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ ‏,‏ وَلاَ مَزِيدَ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ لَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ بِالدَّمِ لَكَانَ الْمَاءُ طَهُورًا ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْجَسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ لَلَزِمَ إذَا بَالَ إنْسَانٌ فِي سَاقِيَةٍ مَا أَلاَّ يَحِلَّ لاَِحَدٍ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ مَوْضِعِ الْبَائِلِ ‏,‏ لاَِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَمَا تَطَهَّرَ فَمُ أَحَدٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْءٍ فِيهِ ‏,‏ لاَِنَّ الْمَاءَ إذَا دَخَلَ فِي الْفَمِ النَّجِسِ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا أَبَدًا ‏,‏ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ذَلِكَ مُبْطِلٌ مُتَحَكِّمٌ قَائِلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏ وَهَذَا بَاطِلٌ‏.‏

قال أبو محمد عَلِيٌّ ‏:‏

وَأَمَّا تَشْنِيعُهُمْ عَلَيْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ‏,‏ وَبَيْنَ الْفَأْرِ يَقَعُ فِي السَّمْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الزَّيْتِ أَوْ وُقُوعِ حَرَامٍ مَا فِي السَّمْنِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ فَتَشَنُّعٌ فَاسِدٌ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَلَوْ تَدَبَّرُوا كَلاَمَهُمْ لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَائِلِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لاَ نَصَّ فِيهِ ‏,‏ وَهَلْ فَرْقُنَا بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ إلاَّ كَفَرْقِهِمْ مَعَنَا بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَإِلاَّ فَلْيَقُولُوا لَنَا مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ إلاَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لاَ يَتَعَدَّى بِحُكْمِهِ إلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ وَكَفَرْقِهِمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ لِلْمَاءِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ ‏,‏ وَهُوَ حَلاَلٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَهُ ‏,‏ وَهَلْ الْبَائِلُ وَغَيْرُ الْبَائِلِ إلاَّ كَالزَّانِي وَغَيْرِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَغَيْرِ السَّارِقِ وَالْمُصَلِّي وَغَيْرِ الْمُصَلِّي لِكُلِّ ذِي اسْمٍ مِنْهَا حُكْمُهُ ‏,‏ وَهَلْ الشُّنْعَةُ وَالْخَطَأُ الظَّاهِرُ إلاَّ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ فِي الْبَائِلِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ وَهَلْ هَذَا إلاَّ كَمَنْ حَمَلَ حُكْمَ السَّارِقِ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ ‏,‏ وَحُكْمَ الزَّانِي عَلَى غَيْرِ الزَّانِي ‏,‏ وَحُكْمَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي ‏,‏ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏ وَلَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ لاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَبَيْنَ مَسٍّ بِظَاهِرِ الْكَفِّ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَلاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ الشَّرِيفَةِ وَحُكْمِ الدَّنِيَّةِ فِي النِّكَاحِ ‏,‏ وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ فَرْجَيْهِمَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالصَّدَاقِ وَالْحَدِّ ‏,‏ وَلاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ التَّمْرِ وَحُكْمِ الْبُسْرِ فِي الْعَرَايَا‏.‏ وَهَؤُلاَءِ الْمَالِكِيُّونَ يُفَرِّقُونَ مَعَنَا بَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ الْكَلْبُ لِسَانَهُ وَبَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ ذَنَبَهُ الْمَبْلُولَ مِنْ الْمَاءِ ‏,‏ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَوْلِ الْبَقَرَةِ وَبَوْلِ الْفَرَسِ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ خُرْءِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلاَّةِ وَخُرْئِهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُورَةً وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ إذَا شَرِبَتْ مَاءً نَجِسًا وَبَيْنَ بَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفُولِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ ‏,‏ فَجَعَلُوهُ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْجُلُبَّانِ صِنْفًا وَاحِدًا ‏,‏ وَجَعَلُوهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفَيْنِ ‏,‏ وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَدْرِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ بِنَصٍّ جَاءَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفُولِ أَمْسِ وَالْفُولِ الْيَوْمَ ‏,‏ وَبَيْنَ الْفُولِ وَنَفْسِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً‏.‏

وَهَؤُلاَءِ الشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ الإِحْلِيلِ ‏,‏ فَجَعَلُوهُ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ ‏,‏ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْبَوْلِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الإِنْسَانِ نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ أَعْلَى الْحَشَفَةَ فَجَعَلُوهُ لاَ يَطْهُرُ إلاَّ بِالْمَاءِ ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ غَائِطِهِ فِي الصَّبِّ وَالْغَسْلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا هَهُنَا بِعَيْنِهِ‏.‏ وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهَا ‏,‏ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ نَفْسِهِ مِنْ بَوْلِهَا بِعَيْنِهَا فِي الثَّوْبِ فَلاَ يُفْسِدُهُ ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الْبَعِيرِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهُ وَلَوْ أَنَّهُ نُقْطَةً ‏,‏ فَإِنْ وَقَعَتْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ ذَلِكَ الْجَمَلِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ ‏,‏ وَهَذَا نَفْسُ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْنَا ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ رَوْثِ الْفَرَسِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَيُفْسِدُ الصَّلاَةَ ‏,‏ وَبَيْنَ بَوْلِ ذَلِكَ الْفَرَسِ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ فَلاَ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ رُبُعَ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَشِبْرًا فِي شِبْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُفْسِدُهَا حِينَئِذٍ ‏,‏ وَزُفَرُ مِنْهُمْ يَقُولُ ‏:‏ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَرَجِيعُهُ نَجَسٌ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا‏.‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْ الْقَلْسِ وَبَيْنَ مَا لاَ يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْهُ ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْجَسَدِ فَلاَ يُزِيلُهُ إلاَّ الْمَاءُ ‏,‏ وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ فَيُزِيلُهُ غَيْرُ الْمَاءِ‏.‏ وَلَوْ تَتَبَّعْنَا سَقَطَاتِهِمْ لَقَامَ مِنْهَا دِيوَانٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ مَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَبْلَكُمْ

قلنا ‏:‏ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ إذْ بَيَّنَ لَنَا حُكْمَ الْبَائِلِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُتَغَوِّطِ وَالْمُتَنَخِّمِ وَالْمُتَمَخِّطِ ‏,‏ وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا ‏:‏ مَنْ قَالَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِفُرُوقِكُمْ هَذِهِ قَبْلَكُمْ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ ‏,‏ وَبَيْنَ بَوْلِهَا فِي الْجَسَدِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا وَبَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي رَأْسِ الْحَشَفَةِ وَبَيْنَهُ فَوْقَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُمْ وَلَيْتَهُمْ إذْ قَالُوهُ مُبْتَدِئِينَ قَالُوهُ بِوَجْهٍ يُفْهَمُ أَوْ يُعْقَلُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ سَائِرُ فُرُوقِهِمْ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ الْقَوْلَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ قَائِلاً مُسَمًّى بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ ‏,‏ فَاللَّوَائِمُ لَهُمْ لاَزِمَةٌ لاَ لَنَا ‏,‏ وَإِنَّمَا نُنْكِرُ غَايَةَ الإِنْكَارِ الْقَوْلَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ تَعَالَى قَطُّ ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْمُنْكَرُ حَقًّا ‏,‏ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الأَرْضِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ قَالُوا لَنَا ‏:‏ مَنْ فَرَّقَ قَبْلَكُمْ بَيْنَ السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ وَبَيْنَ غَيْرِ السَّمْنِ فَجَوَابُنَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ ‏,‏ فَكَيْفَ وَقَدْ

رُوِّينَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى قُرَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ مَائِعًا فَأَلْقِهِ كُلَّهُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقِ الْفَأْرَةَ وَمَا حَوْلَهَا وَكُلَّ مَا بَقِيَ‏.‏

حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلاَهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي عِشْرِينَ فَرْقًا مِنْ زَيْتٍ ‏,‏ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ اسْتَسْرِجُوا بِهِ وَادْهُنُوا بِهِ الآُدْمَ‏.‏

وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ الْفَأْرَةُ تَقَعُ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فَتَمُوتُ فِيهِ أَوْ فِي الدُّهْنِ ‏,‏ فَتُؤْخَذُ قَدْ تَسَلَّخَتْ أَوْ قَدْ مَاتَتْ وَهِيَ شَدِيدَةٌ لَمْ تَتَسَلَّخْ فَقَالَ سَوَاءٌ إذَا مَاتَتْ فِيهِ ‏,‏

فأما الدُّهْنُ فَيُنَشُّ فَيُدْهَنُ بِهِ إنْ لَمْ تُقَذِّرْهُ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ فَالسَّمْنُ أَيُنَشُّ فَيُؤْكَلُ قَالَ لاَ ‏,‏ لَيْسَ مَا يُؤْكَلُ ‏,‏ كَهَيْئَةِ شَيْءٍ فِي الرَّأْسِ يُدْهَنُ بِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَالزَّيْتُ دُهْنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏:‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ‏}‏ وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ غَسْلَ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ ‏,‏ ثُمَّ يُؤْكَلُ‏.‏ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي النُّقْطَةِ مِنْ الْخَمْرِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَفْسُدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يُشْرَبُ وَذَلِكَ الطَّعَامَ يُؤْكَلُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ ‏:‏ أَنْتُمْ تُخَالِفُونَ بَيْنَ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ فِي الشِّدَّةِ وَالْخِفَّةِ بِآرَائِكُمْ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ فَبَعْضُهَا عِنْدَكُمْ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْهُ إلاَّ مِقْدَارٌ أَكْبَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ وَرُبَّمَا قَلَّ ‏,‏ وَبَعْضُهَا لاَ يُنَجِّسُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ إلاَّ مَا كَانَ رُبُعَ الثَّوْبِ ‏,‏ وَلاَ نَدْرِي مَا قَوْلُكُمْ فِي الْجَسَدِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالأَرْضِ ‏,‏ وَبَعْضُهَا تُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَبَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الْبِئْرِ ‏,‏ فَتَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ قَطْرَةَ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ ، وَلاَ تُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ الْجَسَدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ ‏,‏ فَأَخْبِرُونَا عَنْ غَدِيرٍ إذَا حُرِّكَ طَرَفُهُ الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الآخَرُ وَقَعَتْ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلِ كَلْبٍ أَوْ نُقْطَةُ بَوْلِ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ فِيلٌ مَيِّتٌ مُتَفَسِّخٌ ‏,‏ هَلْ كُلُّ هَذَا سَوَاءٌ أَمْ لاَ فَإِنْ سَاوَوْا بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي تَغْلِيظِ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ إنَّ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الإِبِلِ أَوْ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ لاَ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ ‏,‏ وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُمْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي السُّخْرِيَةِ وَالتَّخْلِيطِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقَالُوا لَنَا ‏:‏ مَا قَوْلُكُمْ فِي خَمْرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ بَوْلٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ طَعْمٌ ، وَلاَ لَوْنٌ ، وَلاَ رِيحٌ ‏,‏ هَلْ صَارَ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ مَاءً أَمْ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَإِنْ كَانَ صَارَ كُلُّ ذَلِكَ مَاءً فَكَيْفَ هَذَا وَإِنْ كَانَ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَقَدْ أَبَحْتُمْ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ وَالدَّمَ ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ وَخِلاَفٌ لِلإِسْلاَمِ

قال أبو محمد ‏:‏ جَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّ الْعَالَمِ كُلَّهُ جَوْهَرَةٌ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ أَبْعَاضُهَا بِأَعْرَاضِهَا وَبِصِفَاتِهَا فَقَطْ‏.‏ وَبِحَسَبِ اخْتِلاَفِ صِفَاتِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَالَمَ تَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ تِلْكَ الأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا تَقَعُ أَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدِّيَانَةِ‏.‏ وَعَلَيْهَا يَقَعُ التَّخَاطُبُ وَالتَّفَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ ‏,‏ فَالْعِنَبُ عِنَبٌ وَلَيْسَ زَبِيبًا ‏,‏ وَالزَّبِيبُ لَيْسَ عِنَبًا ‏,‏ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَيْسَ عِنَبًا ، وَلاَ خَمْرًا ‏,‏ وَالْخَمْرُ لَيْسَ عَصِيرًا ‏,‏ وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا ‏,‏ وَأَحْكَامُ كُلِّ ذَلِكَ فِي الدِّيَانَةِ تَخْتَلِفُ وَالْعَيْنُ الْحَامِلَةُ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ صِفَاتٌ ‏,‏ مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ ‏,‏ فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَهِيَ مَاءٌ وَلَهُ حُكْمُ الْمَاءِ‏.‏ فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَكُنْ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْمَاءِ

وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ صِفَاتٌ مَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ خَمْرٌ لَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ ‏,‏ أَوْ دَمٌ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ ‏,‏ أَوْ بَوْلٌ لَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعَيْنُ خَمْرًا ، وَلاَ مَاءً ، وَلاَ دَمًا ، وَلاَ بَوْلاً ، وَلاَ الشَّيْءَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الاِسْمُ وَاقِعًا مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِذَا سَقَطَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْخَلِّ أَوْ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ بَطَلَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ الدَّمُ دَمًا وَالْخَمْرُ خَمْرًا وَالْبَوْلُ بَوْلاً ‏,‏ وَبَقِيَتْ صِفَاتُ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا بِحَسَبِهَا ‏,‏ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْجِرْمُ الْوَاقِعُ يُعَدُّ خَمْرًا ، وَلاَ دَمًا ، وَلاَ بَوْلاً ‏,‏ بَلْ هُوَ مَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ لَبَنٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ ‏,‏ وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ فَإِنْ غَلَبَ الْوَاقِعُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَقِيَتْ صِفَاتُهُ بِحَسَبِهَا وَبَطَلَتْ صِفَاتُ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْخَلِّ ‏,‏ فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَعْدُ ، وَلاَ خَلًّا ، وَلاَ لَبَنًا ‏,‏ بَلْ هُوَ بَوْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ خَمْرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ دَمٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ ‏,‏ فَإِنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْوَاقِعِ وَلَمْ تَبْطُلْ صِفَاتُ مَا وَقَعَ فَهُوَ فِيهِ مَاءٌ وَخَمْرٌ ‏,‏ أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ ‏,‏ أَوْ مَاءٌ وَدَمٌ ‏,‏ أَوْ لَبَنٌ وَبَوْلٌ ‏,‏ أَوْ دَمٌ وَخَلٌّ ‏,‏ وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا اسْتِعْمَالُ الْحَلاَلِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ الْحَرَامِ ‏,‏ لَكِنَّا لاَ نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ فَعَجَزْنَا عَنْهُ فَقَطْ ‏,‏ وَإِلاَّ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ حَلاَلٌ بِحَسَبِهِ كَمَا كَانَ‏.‏ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ فَالدَّمُ يَسْتَحِيلُ لَحْمًا ‏,‏ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَحْمٌ وَلَيْسَ دَمًا ‏,‏ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَاللَّحْمُ يَسْتَحِيلُ شَحْمًا فَلَيْسَ لَحْمًا بَعْدُ بَلْ هُوَ شَحْمٌ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ‏.‏ وَالزِّبْلُ وَالْبِرَازُ وَالْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ يَسْتَحِيلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي النَّخْلَةِ وَرَقًا وَرُطَبًا ‏,‏ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِبْلاً ، وَلاَ تُرَابًا ، وَلاَ مَاءً ‏,‏ بَلْ هُوَ رُطَبٌ حَلاَلٌ طَيِّبٌ ‏,‏ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ النَّبَاتِ كُلِّهِ ‏,‏ وَالْمَاءُ يَسْتَحِيلُ هَوَاءً مُتَصَعِّدًا وَمِلْحًا جَامِدًا ‏,‏ فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَلْ ، وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ ‏,‏ ثُمَّ يَعُودُ ذَلِكَ الْهَوَاءُ وَذَلِكَ الْمِلْحُ مَاءً‏.‏ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ هَوَاءً ، وَلاَ مِلْحًا ‏,‏ بَلْ هُوَ مَاءٌ حَلاَلٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا وَقُلْتُمْ ‏:‏ إنَّهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ صِفَاتُهُ فَهُوَ الَّذِي كَانَ نَفْسَهُ لَزِمَكُمْ ، وَلاَ بُدَّ إبَاحَةُ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ ‏,‏ لاَِنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ ‏,‏ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَبِالْعَرَقِ ‏,‏ لاَِنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ‏.‏ وَلَزِمَكُمْ تَحْرِيمُ الثِّمَارِ الْمُغَذَّاةِ بِالزِّبْلِ وَبِالْعَذِرَةِ ‏,‏ وَتَحْرِيمُ لُحُومِ الدَّجَاجِ ‏,‏ لاَِنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَنَحْنُ نَجِدُ الدَّمَ يُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ فَلاَ يَظْهَرُ لَهُ لَوْنٌ ، وَلاَ رِيحٌ ، وَلاَ طَعْمٌ فَيُوَاتَرُ طَرْحُهُ فَتَظْهَرُ صِفَاتُهُ فِيهِ‏.‏ فَهَلاَّ صَارَ الثَّانِي مَاءً كَمَا صَارَ الأَوَّلُ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ هَذَا السُّؤَالُ لَسْنَا نَحْنُ الْمَسْئُولِينَ بِهِ لَكِنْ جَرَيْتُمْ فِيهِ عَلَى عَادَتِكُمْ الذَّمِيمَةِ فِي التَّعَقُّبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ ‏,‏ وَإِيَّاهُ تَعَالَى تَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا لاَ نَحْنُ ‏,‏ لاَِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ الأَوَّلَ وَلَمْ يُحِلَّ الثَّانِيَ كَمَا شَاءَ لاَ نَحْنُ وَجَوَابُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ يَأْتِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا تَطُولُ عَلَيْهِ نَدَامَةُ السَّائِلِ ‏;‏ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ هَذَا السُّؤَالَ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏ ثُمَّ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ قَائِمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ‏}‏ فَنَقُولُ لَكُمْ ‏:‏ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا خَلَقَ كُلَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا شَاءَ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ‏.‏ وَنَحْنُ نَجِدُ الْمَاءَ يُصَعِّدُهُ الْهَوَاءُ بِالتَّجْفِيفِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ هَوَاءً مُصَعَّدًا وَلَيْسَ مَاءً أَصْلاً‏.‏ حَتَّى إذَا كَثُرَ الْمَاءُ الْمُسْتَحِيلُ هَوَاءً فِي الْجَوِّ عَادَ مَاءً كَمَا كَانَ وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ السَّحَابِ مَاءً‏.‏ وَهَذَا نَفْسُ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّ الدَّمَ يَخْفَى فِي الْمَاءِ وَالْفِضَّةَ تَخْفَى فِي النُّحَاسِ‏.‏ فَإِذَا تُوبِعَ بِهِمَا ظَهَرَا‏.‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا السُّؤَالِ الأَحْمَقِ وَبَيْنَ مَنْ سَأَلَ ‏:‏ لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَاءَ الْوَرْدِ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلِمَ جَعَلَ الصَّلاَةَ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْحَجَّ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا إلَى كَسْكَرَ أَوْ إلَى الْفَرَمَا أَوْ الطُّورِ وَلِمَ جَعَلَ الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏ وَالظُّهْرَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَلِمَ جَعَلَ الْحِمَارَ طَوِيلَ الآُذُنَيْنِ وَالْجَمَلَ صَغِيرَهُمَا وَالْفَأْرَ طَوِيلَ الذَّنَبَ وَالثَّعْلَبَ كَذَلِكَ وَالْمِعْزَى قَصِيرَةَ الذَّنَبِ وَالأَرْنَبَ كَذَلِكَ وَلِمَ صَارَ الإِنْسَانُ يُحْدِثُ مِنْ أَسْفَلُ رِيحًا فَيَلْزَمُهُ غَسْلُ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ يَغْسِلُ مَخْرَجَ تِلْكَ الرِّيحِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ سُؤَالِ الْعُقَلاَءِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَلاَ يُشْبِهُ اعْتِرَاضَاتِ الْعُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ بَلْ هُوَ سُؤَالُ نَوْكَى الْمُلْحِدِينَ وَحَمْقَى الدَّهْرِيِّينَ الْمُتَحَيِّرِينَ الْجُهَّالِ‏.‏ وَإِذَا أَحَلْنَاكُمْ وَسَائِرَ خُصُومِنَا عَلَى الْعِيَانِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ فِي انْتِقَالِ الأَسْمَاءِ بِانْتِقَالِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا تَقُومُ الْحُدُودُ ‏,‏ ثُمَّ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلاَنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لاَ تَجِبُ تِلْكَ الأَسْمَاءُ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ كُلِّ مَنْ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تِلْكَ الأَعْيَانِ إلاَّ بِوُجُودِهَا ‏,‏ ثُمَّ أَحَلْنَاكُمْ عَلَى الْبَرَاهِينِ الضَّرُورِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ ‏,‏ فَاعْتِرَاضُكُمْ كُلُّهُ هَوَسٌ وَبَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى الإِلْحَادِ‏.‏ فَقَالُوا ‏:‏ فَمَا تَقُولُونَ فِي فِضَّةٍ خَالَطَهَا نُحَاسٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا أَثَرٌ ، وَلاَ غَيْرِهَا ‏,‏ أَتُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا فِضَّةً مَحْضَةً أَمْ لاَ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ الْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ إنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْفِضَّةِ بِحَسَبِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنُّحَاسِ فِيهَا أَثَرٌ ‏,‏ فَإِنَّهَا تُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ ‏,‏ لاَ بِأَقَلَّ ، وَلاَ بِأَكْثَرَ ، وَلاَ نَسِيئَةً ‏,‏ وَإِنْ غَلَبَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ حَتَّى لاَ يَبْقَى لِلْفِضَّةِ أَثَرٌ ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ نُحَاسٌ مَحْضٌ لاَ زَكَاةَ فِيهِ أَصْلاً سَوَاءٌ كَثُرَتْ تِلْكَ الْفِضَّةُ الَّتِي اسْتَحَالَتْ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكْثُرْ ‏,‏ وَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً بِأَقَلَّ مِمَّا خَالَطَهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ ‏,‏ وَإِنْ ظَهَرَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ وَصِفَاتُ الْفِضَّةِ مَعًا فَهُوَ نُحَاسٌ وَفِضَّةٌ ‏,‏ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ ‏,‏ خَاصَّةً إنْ بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ وَإِلاَّ فَلاَ ‏,‏ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ بِفِضَّةٍ مَحْضَةٍ أَصْلاً لاَ بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ ، وَلاَ بِأَقَلَّ ، وَلاَ بِأَكْثَرَ ‏,‏ لاَ نَقْدًا ، وَلاَ نَسِيئَةً ‏,‏ لاَِنَّنَا لاَ نَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالْوَزْنِ ‏,‏ وَتُبَاعُ تِلْكَ الْجُمْلَةُ بِالذَّهَبِ نَقْدًا لاَ نَسِيئَةً‏.‏ فَسَأَلُوا عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ بِالْخَمْرِ أَوْ طُرِحَ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ أَوْ عَذِرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُنَالِكَ أَثَرٌ أَصْلاً ‏,‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ مَنْ طَرَحَ فِي الْقِدْرِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ لاَِنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْحَرَامَ الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهُ ‏,‏

وَأَمَّا إذَا بَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ فَمَا فِي الْقِدْرِ حَلاَلٌ أَكْلُهُ ‏,‏ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلاً ‏,‏ وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَحَالَهَا إلَى الْحَلاَلِ‏.‏ ثُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي دَنِّ خَلٍّ رُمِيَ فِيهِ خَمْرٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لِلْخَمْرِ أَثَرٌ ‏,‏ فَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي فِي الدَّنِّ كُلَّهُ حَلاَلٌ فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ وَقَوْلٌ مِنْهُمْ بِاَلَّذِي شَنَّعُوا بِهِ فَلَزِمَهُمْ التَّشْنِيعُ ‏,‏ لاَِنَّهُمْ عَظَّمُوهُ وَرَأَوْهُ حُجَّةً ‏,‏ وَلَمْ يَلْزَمْنَا ‏,‏ لاَِنَّنَا لَمْ نُعَظِّمْهُ ، وَلاَ رَأَيْنَاهُ حُجَّةً‏.‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

وَأَمَّا مُتَأَخِّرُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ضَبْطِ هَذَا الْمَذْهَبِ لِفَسَادِهِ وَسَخَافَتِهِ فَرُّوا إلَى أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّنَا لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ غَدِيرٍ كَبِيرٍ ، وَلاَ بَحْرٍ ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ لَكِنَّ الْحُكْمَ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَالرَّأْيِ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُغْتَسَلُ مِنْهُ ‏,‏ فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَوْ غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ أَنَّهُ مَاءُ الْبَحْرِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ نَتَيَقَّنْ ، وَلاَ غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ تَوَضَّأْنَا بِهِ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا الْمَذْهَبُ أَشَدُّ فَسَادًا مِنْ الَّذِي رَغِبُوا عَنْهُ لِوُجُوهٍ

أَوَّلُهَا ‏:‏ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ ‏;‏ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‏.‏ وَلاَ أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ يَحْكُمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لاَ يُحَقِّقُهُ‏.‏

وَالثَّانِي ‏:‏ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ ‏:‏ كَمَا تَظُنُّونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تُخَالِطْهُ فَظُنُّوا أَنَّهَا خَالَطَتْهُ فَاجْتَنِبُوهُ ‏,‏ لاَِنَّ الْحُكْمَ بِالظَّنِّ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِكُمْ ‏,‏ فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى جَنْبَتَيْ الظَّنِّ أَوْلَى مِنْ الآُخْرَى وَالثَّالِثُ ‏:‏ أَنَّ قَوْلَكُمْ هَذَا تَحَكُّمٌ مِنْكُمْ بِلاَ دَلِيلٍ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏ وَالرَّابِعُ ‏:‏ أَنْ نَقُولَ لَهُمْ ‏:‏ عَرِّفُونَا مَا مَعْنَى هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ فَلَسْنَا نَفْهَمُهَا ، وَلاَ أَنْتُمْ ، وَلاَ أَحَدٌ فِي الْعَالَمِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ‏,‏ فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ قَدْ جَاوَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ لاَ مُخَالَطَةٌ ‏,‏ وَهَذَا لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ النَّجَاسَةِ كَمِقْدَارِ الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَإِلاَّ فَقَدْ فُضِّلَتْ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُجَاوِرْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَقَدْ تَنَجَّسَ كُلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِرْهُ مِنْ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ ‏,‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ هَذَا لاَزِمٌ لَكُمْ فِي الْبَحْرِ بِنُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِيهِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ فَإِنْ أَبَوْا مِنْ هَذَا

قلنا لَهُمْ ‏:‏ فَعَرِّفُونَا بِالْمِقْدَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّذِي إذَا جَاوَزَ مِقْدَارًا مَحْدُودًا أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ نَجَّسَهُ ‏,‏ فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ زَادُوا فِي الضَّلاَلِ وَالْهَوَسِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى ذَلِكَ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ ‏,‏ كَالْمَيْتَةِ فَسَادًا وَمَجْهُولاً لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي الدِّينِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَكُمْ لِغَالِبِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا فِي قَدَحٍ فِيهِ أُوقِيَّتَانِ مِنْ مَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مِقْدَارُ الصُّآبَةِ مِنْ بَوْلِ كَلْبٍ ‏,‏ إنَّهُ لَمْ يَنْجَسْ مِنْ الْمَاءِ إلاَّ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُخَالِطَهُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ لِمِقْدَارِهَا مِنْ الْمَاءِ فَقَطْ وَيَبْقَى سَائِرُ مَاءِ الْقَدَحِ طَاهِرًا حَلاَلاً شُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ‏.‏ وَهَكَذَا فِي جُبٍّ فِيهِ كَرُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ أُوقِيَّةُ بَوْلٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لاَ يَنْجَسُ إلاَّ مِقْدَارُ مَا مَازَجَتْهُ تِلْكَ الآُوقِيَّةُ ‏,‏ وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا حَلاَلاً ‏,‏ نَحْنُ مُوقِنُونَ وَأَنْتُمْ أَنَّهَا لَمْ تُمَازِجْ عُشْرَ الْكَرِّ ، وَلاَ عُشْرَ عُشْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ الْتَزَمْتُمْ هَذَا فَارَقْتُمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِكُمْ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ الَّتِي هِيَ أَفْكَارُ سُوءٍ مُفْسِدَةٌ لِلدِّمَاغِ ‏,‏ فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ النَّجَاسَةِ يَنْجَسُ ‏,‏ لَزِمَكُمْ ذَلِكَ كَمَا قَدْ أَلْزَمْنَاكُمْ فِي النِّيلِ وَالْجَيْحُونِ ‏,‏ وَفِي كُلِّ مَاءٍ جَارٍ ‏,‏ لاَِنَّهُ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَيَنْجَسُ جَمِيعُهُ لِمُلاَقَاتِهِ الَّذِي قَدْ تَنَجَّسَ ، وَلاَ بُدَّ نَعَمْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ نُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ فَاخْتَارُوا مَا شِئْتُمْ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ النَّهْرَ الْكَبِيرَ أَوْ الْبَحْرَ تَنَجَّسَ ‏,‏ وَلاَ مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ بِهِ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْهُ‏.‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ هَذَا نَفْسُهُ مَوْجُودٌ فِي الْجُبِّ وَالْبِئْرِ وَفِي الْقُلَّةِ وَفِي قَدَحٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَرْطَالِ مَاءٍ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَلاَ يَقِينَ فِي أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِيمَا ذَكَرْنَا تَنَجَّسَ ‏,‏ وَلاَ فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّارِبَ تَوَضَّأَ بِنَجِسٍ أَوْ شَرِبَ نَجِسًا ‏,‏ ثُمَّ حَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوا لَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْحَلاَلُ أَوْ الْمَائِعُ لِذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ لَهُ ‏,‏ مَا لَمْ يَحْمِلْ صِفَاتِ الْحَرَامِ أَوْ النَّجِسِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ وَيَمِيلُ إلَى النَّظَرِ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ كُلَّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ فَسَوَاءٌ كَانَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا ‏,‏ الْحُكْمُ وَاحِدٌ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ كُلِّهِ أَوْ شَرِبَهُ حَاشَا مِقْدَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ ‏,‏ فَوُضُوءُهُ جَائِزٌ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ وَشُرْبُهُ حَلاَلٌ ‏,‏

وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ مِنْهُ ‏,‏ إذْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً ، وَلاَ أَنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا ‏,‏ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ طُهْرَ وَهُوَ عَاصٍ فِي شُرْبِهِ ‏;‏ لاَِنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَشَرِبَ حَرَامًا قَالَ ‏:‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَحْرِ فَمَا دُونَهُ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَاسْتَوْعَبَاهُ أَوْ اسْتَوْعَبُوهُ كُلَّهُ بِالْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الشُّرْبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وُضُوءُهُ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ ‏,‏ إلاَّ أَنَّ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ غُسْلَ ‏,‏ وَلاَ أَعْرِفُ بِعَيْنِهِ ‏,‏ فَلاَ أُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إعَادَةَ وُضُوءٍ ، وَلاَ إعَادَةَ صَلاَةٍ بِالظَّنِّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقَدْ نَاظَرْت صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏,‏ وَأَلْزَمْتُهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ ‏,‏ أَنْ يَكُونَ يَأْمُرُ جَمِيعَهُمْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ ‏,‏ لاَِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ‏,‏ بَلْ عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْحَدَثِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ ‏,‏ وَأَرَيْته أَيْضًا بُطْلاَنَ الْقَوْلِ الأَوَّلِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِحَالَةِ الأَحْكَامِ بِاسْتِحَالَةِ الأَسْمَاءِ ‏,‏ وَإِنَّ اسْتِحَالَةَ الأَسْمَاءِ بِاسْتِحَالَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي مِنْهَا تَقُومُ الْحُدُودُ ‏,‏ وَقُلْت لَهُ ‏:‏ فَرِّقْ بَيْنَ مَا أَجَزْت مِنْ هَذَا وَبَيْنَ إنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَفِي الآخَرِ عَصِيرُ بَعْضِ الشَّجَرِ ‏,‏ وَبَيْنَ بِضْعَتَيْ لَحْمٍ إحْدَاهُمَا مِنْ خِنْزِيرٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ كَبْشٍ ‏,‏ وَبَيْنَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُذَكَّاةٌ وَالآُخْرَى عَقِيرَةُ سَبُعٍ مَيْتَةٌ ‏,‏ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَيْمُونَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ ‏,‏ وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُوهُ ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏,‏ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَغَيْرُهُمْ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ جَائِزًا ‏,‏ فَتَقْلِيدُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ‏.‏